ضوابط تكييف الواقعة التأديبية
في ظل غياب الحصر الشامل للمخالفات التأديبية ، وعدم وجود تعريف قانوني للمخالفة التأديبية ، وأمام هذا الفراغ التشريعي ، فإنه يجب أن يحلل بحذر شديد الفعل أو التصرف الذي صدر من الموظف و يسأل عنه تأديبيا . فالسلطة التأديبية سواءً كان رئيس إداري أم محكمة تأديبية لا يمكن لها أن تكيف الواقعة التأديبية بطريقة تعسفية ، فهي لا تستطيع أن تعاقب إلا علي الافعال التي تتسم بالمخالفات الوظيفية أو الالتزامات المهنية و ليست التقصيرات في الواجبات ذات الطابع الأخلاقي ، فالقانون التأديبي ليس قانون أخلاقي والسلطة التأديبية غير مكلفة بتقويم أخلاق العاملين .
وعلي ذلك فالمسألة تستلزم تكييفاً قانونياً أو وصفاً منطقياً ببفعل ، وهذا لا يتحقق إلا بوضع ضوابط لتكييف الواقعة التأديبية . والصعوبة في هذه العملية أن جميع القوانين المصرية جاءت جميعها خالية من نص أو قاعدة تبين لنا أحكام و أصول التكييف . فلابد من وضع أحكام كلية تنطبق علي الجزئيات و ذلك لا يتأتي إلا في صورة ضوابط هي بمثابة قواعد أو مبادئ لتكييف الواقعة التأديبية و من وجهة نظرنا نري أن الضوابط التي يمكن أن يعتمد عليها هي :
(1)تحديد الواجب الوظيفي الذي أهمل أو قصر في أدائه الموظف .
(2)بيان موضوع المخالفة التأديبية بتحديد نزعها هل هي إدارية أم مالية .
(3)إظهار درجة جسامة المخالفة التأديبية ، فالمخالفات التأديبية من حيث الجسامة يمكن أن تصنف
إلي بالغة الخطورة و خطيرة و بسيطة .
أولا / تحديد الواجب الوظيفي الذي خالفه الموظف
نصت المادة 78 من قانون العاملين المدنيين للدولة رقم 74/1978 علي أنه ” كل عامل يخرج علي مقتضي الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الأخلال بكرامة الوظيفة يجازي تأديبياً “.
المبدأ واضح ، إخلال العامل بواجب من واجبات وظيفته ، يعد خطأ يعرضه للجزاء . والقاعدة إجبارية لانها قاعدة آمرة ، فلايجوز الأتفاق علي خلافها .
و الخطأ المعاقب عليه ، هو إنحراف في السلوك الواجب الالتزام به ، أو خروج علي ما يقتضي واجب وظيفي مصدره القانون . و لذا قضي بأنه ” الخروج علي مقتضي الواجب الوظيفي يتعين أن يسبق هذا الواجب بناء علي القوانين و القرارات الوزارية و التعليمات التي يجري العمل بموجبها ، فالإسناد علي مقولة ما جري عليه العمل يحمل معني غياب التعليمات المنظمة . وطالما أنه ليس هناك تعليمات ، فإن الأمر يدخل في مجال الإجتهاد.
يبقي القول بأن هذا النص لم يحدد او يعرف المخالفات التأديبية ، و بالتالي لا يوجد تأثيم محدد للمخالفات التأديبية أو حصر لها ، بمعني تعريف للتصرفات أو السلوكيات التي سيكون لها وصف المخالفة التأديبية و من هنا تظهر أهمية التحديد الدقيق للواجب الوظيفي الذي خالفه الموظف لتجنب مخاطر الأنزلاق في وصف كل سلوك يزعج السلطة الإدارية المختصة بأنه مخالفة تأديبية .
إذن لكي نصف فعلاً أو سلوكاً بأنه مخالفة تأديبية يلزم أن نحدد الواجب الوظيفي الذي أهمل أو قصر في أدائه الموظف .
و المجلس الدستوري الفرنسي وضع مبدأ يعالج به غياب القائمة الشاملة للمخالفة التأديبية الموجبة للعقاب التأديبي ، و تقضي بالآتي : من مقتضيات تحديد المخالفات التأديبية المعاقب عليها في المواد التأديبية الإحالة إلي الإحالة إلي الواجبات التي يخضعها لها الموظف الإداري بموجب القوانين و اللوائح .
وهذة القاعدة من السهل تطببقها في أغلب نظم التأديب ، فالواجبات الوظيفية التي تتضمن التزامات كثيرة جداً و تنتج من إعلانات القانون في المواد (76،77،78) من قانون العامليين المدنيين بالدولة نصت علي الواجبات الأساسية للعاملين ، و يتفرع من القانون اللائحة و القرار التنظيمي و الأمر الإداري ، وتتضمن هذه الأمور أيضاً واجبات مكتوبة يترتب علي الإخلال بها نشوء المخالفة التأديبية ، التي يمكن أن يعاقب عليها تأديبياً .
ثانيا/ بيان موضوع المخالفة التأديبية
لم يأخذ فقهاء القانوني الجنائي في دراستهم للقسم العام لقانون العقوبات بتقسيم الجرائم الجنائية من حيث طبيعتها إلي جرائم مالية و جرائم غير مالية .
ولكن الأمر علي غير ذلك في القانون التأديبي . فتنقسم المخالفات التأديبية من حيث موضوعها إلي مالية و إدارية . وقد أخذ المشرع المصري و الفرنسي بهذا التقسيم ، فميز المخالفات المالية بوضع خاص و رتب عليها آثاراً مهمة .
(أ)المخالفات التأديبية المالية :
هي كل إخلال بالقواعد و الأحكام المالية المقررة أو كل إهمال أو تقصير يترتب عليه مباشرة ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو الأشخاص العامة الأخري أو من شأنه أن يؤدي مباشرة إلي ذلك .
ومن خلال التعريف السابق للمخالفات المالية يمكن تقسيمها إلي الأنواع التالية :
(1)مخالفات تأديبية مالية بطبيعتها و تشمل :
-مخالفة القواعد و الأحكام المالية المنصوص عليها في القوانين و اللوائح المعمول بها .
-مخالفة الأحكام الخاصة بضبط الرقابة علي تنفيذ الميزانية .
-مخالفة القوانين و اللوائح الخاصة بالمناقصات و المزايدات و المخازن و المشتريات و كافة اللوائح المالية .
وهذه المخالفات تعتبر مالية ولو لم يترتب عليها ضياع حق مالي .
(2)مخالفات مالية لإرتباطها بالرقابة المالية و تشمل :
-عدم الرد علي مناقصات الجهاز المركزي للمحاسبات أو تأخير الرد عليها أو الإجابة التي تحمل المماطلة و التسويف .
-عدم موافاة الجهاز بغير عذر مقبول بالحسابات و المستندات المؤيدة لها في المواعيد المقررة أو بما يطلبه من أوراق و وثائق .
-التأخير دون مبرر في إبلاغ الجهاز خلال الموعد المحدد بما تتخذه الجهة الإدارية المختصة في شأن المخالفة التي يبلغها بها الجهاز .
وهذه المخالفات و إن كانت بحكم طبيعتها تعتبر مخالفات إدارية ، فإنها بحكم إرتباطها بالكشف عن المخالفات المالية اعتبرت بنص القانون جرائم تأديبية مالية .
(3)مخالفات تأديبية مالية بحسب آثارها و تشمل :
-الإهمال أو التقصير الذي يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو أحد الأشخاص العامة الأخري أو الهيئات الخاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية او يكون من شأنه أن يؤدي علي ذلك بصفة مباشرة . وليس كل إهمال أو تقصير يكون مخالفة مالية و إنما يجب كي تكون له هذه الصفة أن يترتب عليه :
-إما ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو أحد الأشخاص العامة .
-وإما مساس بمصلحة من مصالحها المالية .
-وإما من شأنه أن يؤدي مباشرة إلي ضياع حق من حقوقها المالية ولو لم يكن قد ضاع هذا الحق فعلاً.
(ب)المخالفات التأديبية الإدارية :
تمثل المخالفات التأديبية المالية علي النحو السابق إيضاحه ، جانباً من المخالفات التأديبية له طابعه المميز ، و بذلك فالمخالفات التأديبية ذات الطابع الإداري هي كل ما ليس له صفة المخالفات المالية .
اولاً/مخالفات تأديبياً تتعلق بمواعيد العمل و مثالها :
-التأخير عن مواعيد العمل .
-الغياب بدون إذن أو عذر مقبول لمدة يوم كامل أو أيام متصلة .
ثانياً/مخالفات تتعلق بأداء أعمال الوظيفة و مثالها :
-التراخي أو الاهمال.
-الأمتناع عن أداء العمل .
ثالثاً/مخالفات تتعلق بنظام العمل و مثالها :
-الدخول أو الخروج من غير الأماكن المحددة لذلك .
-التدخين في الأماكن الممنوعة .
رابعاً/مخالفات تتصل بالسلوك و مثالها :
-قبول هدية لقاء أداء العمل .
-إرتكاب أفعال مخلة بالآداب .
إذن للتفرقة بين المخالفات التأديبية المالية و الإدارية أهمية عملية في مجالات عدة توضحها فيما يلي :
(1)مدي سلطة ورقابة الجهاز المركزي للمحاسبات :
توجب المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية أن يخطر رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بالقرارات الصادرة من الجهات الإدارية في شأن المخالفات المالية .
ولرئيس الجهاز خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم العامل المتهم إلي المحاكمة التأديبية و تلتزم النيابة الإدارية في هذه الحالة بأن تقيم الدعوي التأديبية و تباشرها .
وهذه السلطة المعقودة للجهاز للمحاسبات في شأن الجرائم التأديبية المالية لا تسري علي الجرائم الإدارية ، حيث تختص السلطة الرئاسية وحدها بمجازاة الموظف و تحريك الدعوي التأديبية .
وقد كان اختصاص الجهاز المركزي المشار إليه مجالاً خصباً للقضاء الإداري في مصر ، حيث وضع عدة ضوابط لممارسة هذه السلطة أهمها ما يلي :
أ-لا يسري حكم المادة 13 من قانون النيابة الإدارية المشار إليه ،في شأن المخالفات المالية التي تقع بالهيئات العامة و وحدات القطاع العام. ومن ثم لا يملك الجهاز للمحاسبات الاعتراض علي القرارات الصادرة من هذه الجهات في شأن المخالفات المالية و ذلك أنه وفقاً للقانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية و المحاكمة التأديبية علي موظفي المؤسسات و الهيئات العامة و الشركات و الجمعيات و الهيئات الخاصة لا يسري علي العاملين بتلك الجهات سوي المواد (من 1 إلي 11 ،مادة14 ، مادة 17) و ليس المادة(13) .
ب-بدء ميعاد الخمسة عشر يوماً التي يطلب خلالها رئيس الجهاز تقديم الموظف إلي المحاكمة التأديبية وفقاً للمادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 إنما يكون ابتداء من الأخطار الصادر إلي الديوان من الجهة الإدارية بدون غيرها ، ولا يعتد في ذلك بالإخطار الصادر عن طريق المحكمة التي أصدرت الحكم في الدعوي التأديبية ،و في ذلك تذهب المحكمة الإدارية العليا إلي أنه لا يحقق هذا الإخطار أثره إذا كان قد حصل من جهة أخري لم ينط بها القانون القيام بهذا الإجراء ، وكذلك لا يغني علم الديوان بالجزاء من غير الطريق الذي رسمه القانون ..وترتيباً علي ذلك لا يجدي في سبيل بدء سريان الميعاد إخطار الديوان عن طريق المحكمة التي أصدرت الحكم في الدعوي التأديبية .
ج-الجزاء الذي يخطر به رئيس الجهاز بالنسبة للمخالفات المالية و الذي يبدأ به ميعاد الخمسة عشر يوماً هو الجزاء المستقر في صورته النهائية بعد أستعمال الوزير حقه في التعديل أو الإلغاء أو بعد فوات مدة الشهر المقررة لأستعمال هذا الحق .
د-توجيه الجهة الإدارية الإخطار بالجزاء الموقع إلي مدير عام المراقبة القضائية بالديوان يعتبر بمثابة إخطار إلي رئيس الديوان ، يبدأ به ميعاد الخمسة عشر يوماً.
ه-ميعاد الخمسة عشر يوماً المنصوص عليها بالمادة (13) من قانون النيابة الإدارية ليس مجرد إجراء تنظيمي ، لا يترتب علي مجاوزته عدم صحة الأعتراض ، لأن التحديد قصد به إستقرار الوضع بالنسبة للموظف بأسرع وقت ممكن ..مما يحمل معه أن المشرع إذا أسقط حق الأعتراض بعد 15 يوماً من تاريخ الإخطار فإن ذلك بمثابة نص علي السقوط.
و-إذا طلب رئيس الديوان بيانات معينة عن الجزاء خلال الخمسة عشر يوماً فلا يحتسب الميعاد إلا من تاريخ ورود ما طلبه من بيانات .
ز-إنقضاء الخمسة عشر يوماً من تاريخ إخطار رئيس ديوان المحاسبة بقرار الجزاء دون أن يكون رئيس الديوان قد طلب خلالها تقديم الموظف إلي المحاكمة التأديبية ، يعتبر إقراراً من جانب ديوان المحاسبة بالإكتفاء بالجزاء التأديبي حيث لا وجه بعد ذلك لإقامة الدعوي التأديبية .
ح-نص الفقرة الأخيرة من المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 علي رفع النيابة الإدارية للدعوي التأديبية عن المخالفات المالية خلال 15 يوماً من تاريخ طلب رئيس ديوان المحاسبة ، هذا الميعاد هو من قبيل استنهاض النيابة للسير في إجراءات الدعوي بالسرعة التي تقتضيها المصلحة العامة وحسن التنظيم لا من مواعيد السقوط .
(2)سقوط المسئولية التأديبية :
تظهر أهمية التفرقة بين المخالفات التأديبية المالية و الإدارية بالنسبة لسقوط المسؤلية التأديبية بعد إنتهاء الخدمة .
ففي أثناء الخدمة تسقط الدعوي التأديبية سواء بالنسبة للمخالفات المالية أو الإدارية بمضي ثلاث سنوات من تاريخ إرتكابها ، وإذا كان الفعل يكون جريمة جنائية فلا تسقط الدعوي إلا بسقوط الدعوي الجنائية ، المادة (91) من القانون رقم 47 لسنة 1978 .
أما بعد إنتهاء الخدمة فالأمر يختلف تبعاً لطبيعة المخالفة مالية أو إدارية فبالنسبة للمخالفات الإدارية التي تقع من العامل أثناء الخدمة ، لا يسأل عنها تأديبياً بعد انتهاء الخدمة لأي سبب من الأسباب إلا إذا كان قد بدأ التحقيق معه فيها قبل إنتهاء الخدمة .
أما بالنسبة للمخالفات المالية التي تقع من العامل أثناء خدمته ، فإنه يمكن مساءلته عنها تأديبياً بعد إنتهاء الخدمة ولو لم يمكن قد بدأ التحقيق معه فيها قبل إنتهاء الخدمة و لكن ذلك مقيد بشرطين :
(1)أن يترتب علي المخالفة المالية ضياع حق من حقوق الخزانة .
(2)أن تقام الدعوي التأديبية خلال مدة خمس سنوات من تاريخ إنتهاء الخدمة ، المادة (88) من القانون رقم 47 لسنة 1978 .
(3)إشتراط عناية أشد في المخالفات المالية :
تتطلب المخالفات التأديبية المالية علي خلاف المخالفات الإدارية عناية أشد و في ذلك أوضحت المحكمة الإدارية العليا في حكمها في 20/3/1971 في الطعن رقم 282 لسنة 12 ق . ” أن لائحة المناقصات تضمنت تنظيماً كاملاً لفحص الأصناف المشتراة طبقا لعقود التوريد ، وهذا التنظيم أوجب علي الجهة الإدارية أن تفحص الأصناف الموردة بعناية أشد من عناية الرجل العادي “.
ثالثا/ درجة جسامة المخالفة التأديبية
يقسم القانون الجنائي ،الجرائم الجنائية من حيث جسامتها إلي ثلاثة أنواع هي : الجنايات و الجنح و المخالفات .
ويمكن تقسيم المخالفات التأديبية من حيث جسامتها إلي بالغة الخطورة و خطيرة و بسيطة و ذلك علي أساس طبيعتها.
(1)المخالفة التأديبية بالغة الخطورة :
هي الجرائم التي يحدد لها صراحة بقانون أو لائحة جزاء الفصل ، أو تلك الأفعال التي تكون في نفس الوقت جناية أو جريمة مخلة بالشرف .
وتشمل هذة المخالفات ثلاث مجموعات :
المجموعة الأولي : الجرائم المقرر لها عقوبة الفصل صراحة :
يحدد نص قانوني أحياناً مخالفة تأديبية ، ويقرر لها جزاء الفصل من الخدمة ، وذلك في حد ذاته دليل واضح علي الخطورة البالغة لهذه المخالفة ، و الأمر الذي دعا المشرع لتقرير عقوبة الفصل عليها .
ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (95) من القانون رقم 26/1954 المعدل بالقانون رقم 155/1955 علي أنه “لا يجوز الجمع بين وظيفة من الوظائف العامة التي يتناول صاحبها مرتباً و بين إدارة أو عضوية مجلس إحدي شركات المساهمة أو الأشتراك في تأسيسها أو الأشتغال ولو بصفة عرضية بأي عمل أو استشارة فيها سواء أكان ذلك بأجر أم بغير أجر . ومع ذلك يجوز لمجلس الوزراء أن يرخص بالأشتغال بأعمال عرضية بمقتضي إذن خاص يصدر في كل حالة بذاتها .ويفصل الموظف الذي يخالف هذا الحظر من وظيفته بقرار من الجهة التابع لها بمجرد تحققها من ذلك .
المجموعة الثانية : أفعال تشكل في نفس الوقت جناية :
كون المخالفة التأديبية تكون في نفس الوقت جناية يدل دلالة قاطعة علي الخطورة البالغة لهذا الفعل .ومن ثم فقد رتب المشرع جزاء الفصل من الخدمة إذا ما حكم فيها بعقوبة جناية .
فقد نصت المادة (94/7) من القانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47/1978 بالآتي :”تنتهي خدمة العامل لأي من الأسباب الآتية (1)…..(7) الحكم عليه بعقوبة جناية في إحدي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة .”
وهذا الحكم يتفق علي ما ترتبه المادتان (25،26عقوبات) علي الحكم بعقوبة جناية ،من العزل من الوظائف الأميرية أو الحرمان من القبول في أي خدمة في الحكومة مباشرة أو بصفة متعهد أو ملتزم أياً كانت أهمية الخدمة .
المجموعة الثالثة : فعل ما يكون جريمة مخلة بالشرف :
إذا ما كانت الواقعة التأديبية تنطوي علي فعل يكون جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة ، فذلك يدل علي خطورتها البالغة ، ومن ثم فقد رتب عليه المشرع الفصل من الخدمة إذا ما حكم فيها بعقوبة مقيدة للحرية وقد تكفل المشرع في قانون العقوبات بتحديد الجنايات في وضوح وجلاء أما الجرائم المخلة بالشرف فلم يحددها في هذا القانون أو في سواءه تحديد جامعاً مانعاً كما كما كان شأنه بالنسبة للجنايات ، علي أن المتفق عليه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها هي تلك التي ترجع إلي ضعف في الخلق و إنحراف في الطبع . والشخص إذا إنحدر إلي هذا المستوي الأخلاقي لا يكون أهلاً لتولي المناصب العامة التي تقتضي فيمن يتولاها أن يكون متحلياً بالأمانة و النزاهة و الشرف و أستقامة الخلق .
وعلي هذا فتحديد الجريمة المخلة يالشرف أو الأمانة تحكمه نظرة المجتمع و تطوراته و قيمه و أخلاقياته فالشرف و الأامنة كما تذهب محكمة القضاء الإداري “ليس لهما قياس ثابت محدد ، بل هما صفتان متلازمتان لمجموعة المبادئ السامية و المثل العليا التي تواضع الناس علي إجلالها و إعزازها ….”.
والجريمة المخلة بالشرف و الأمانة بالمفهوم السابق تنصرف إلي الجنايات و الجنح و يستبعد من نطاقها المخالفات. وفي ذلك تذهب الجمعية العمومية للقسم الأستشاري إلي أنه “لئن كان الأصل أن لفظ جريمة ينصرف إلي الجنايات و الجنح و المخالفات في مفهوم قانون العقوبات ، إلا أنه لما كان المشرع في المادة السابعة من القانون رقم 46 لسنة 1964 تقابل المادة (7)فقرة (3) من القانون رقم 58 لسنة 1971 قد اعتبر الحكم في جريمة مخلة بالشرف و الأمانة مانعاً من التعيين في الوظيفة العامة ، وجعل زوال هذا المانع رهناً برد اعتبار المحكوم عليه ، وكانت المادة (536) من قانون الإجراءات الجنائية قد قصرت رد الاعتبار علي المحكوم عليهم في جنايات و جنح دون المحكوم عليهم في مخالفات ، فإن المانع من التعيين في الوظيفة العامة و بحكم اللزوم من الاستمرار فيها ، لا يصدق علي المخالفات لخروج هذه الجرائم من دائرة رد الاعتبار .
(2)المخالفات التاديبية الخطيرة:
يشمل هذا النوع من المخالفات التأديبية التي ترتكب عن سوء قصد ، أو عن إهمال يترتب عليه مساس أو إضرار بمصالح الجمهور أو المصالح المالية للدولة . ونذكر كمثال لها ما يلي :
-االتحريض علي مخالفة الأوامر الخاصة بالعمل .
-الاحتفاظ بأصول ورقة رسمية بقصد التستر علي مخالفات أو جرائم أرتكبت .
-مخالفة القواعد و الاحكام المالية المنصوص عليها في القوانين و اللوائح .
-مخالفة الأحكام الخاصة بضبط الرقابة علي تنفيذ الميزانية .
-الأمتناع عن أداء أعمال الوظيفة بما يفوت مصلحة علي المواطنين .
(3)المخالفات التأديبية البسيطة :
وهي المخالفات التي تأتي نتيجة إهمال لا يترتب عليه مساس بمصالح الجمهور أو مصالح الدولة ، نذكر منها علي سبيل المثال ما يلي :
-التأخير عن مواعيد الحضور بما لا يعطل عمل الأخرين أو تقديم خدمات حيوية للجمهور .
-ترك العمل قبل المواعيد المقررة دون إذن أو عذر مقبول ، إذا لم يترتب علي ذلك تعطيل عمل الآخرين ، او تقديم الخدمات الحيوية للجمهور .
-أداء أعمال للغير و لو في غير أوقات العمل الرسمية بدون إذن مما لا يؤثر علي سمعة الوظيفة .
درجة جسامة المخالفة كضابط في تكييف الواقعة التأديبية .
إن المعيار الذي يمكن الاستناد إليه ، و الإرتكاز عليه ، في تكييف الواقعة التأديبية من حيث درجة جسامة المخالفة ، يكمن بوضوح و جلاء في نوع و مقدار العقوبة التي ينص عليها المشرع في قوانين التوظيف المختلفة لكل طائفة من طوائف هذه المخالفات ، فنوع العقوبة و مقدارها ، يصلح أساساً مناسباً للتفريق و التمييز بينهما ، وبهذا المعيار يتحدد ضابط التكييف بين هذه الأنواع الثلاثة من المخالفات .
فالمخالفات تكيف علي انها بالغة الخظورة و خطيرة و بسيطة بحسب نوع العقوبة الواردة بقائمة الجزاءات و المتدرجة تنازلياً من الأخف إلي الأشد ، من الأنذار إلي العزل .