الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر

0
4279
الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر
الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر

الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر

يقوم النظام الإداري ، علي تحقيق المصلحة العامة ، مستهدفاً بلوغ أقصي درجات الإستقرار للعامل ، ولا شك أن عماد هذا التنظيم هو الموظف العام بوصفه أداة تحقيق هذه الأهداف ، ومن ثم كان الإرتباط وثيقاً بين قيام الموظف علي أداء واجباته الوظيفية بالقدرة و الكفاية و الإستقامة المطلوبة وبين بلوغ هذه الأهداف المرجوة. وتحقيق المصلحة العامة يعتمد أساساً علي حسن أداء الموظف العام للخدمة يالسرعة و الكفاية و الأمانة ، و هو ما يعبر عنه بصالح الإدارة يقابله من ناحية اخري صالح الموظف الذي اتخذ من وظيفته مهنة رتب عليها حياته ، ومن ثم كان واجباً توفير الضمانات الكفيلة له .

من أجل هذين الإعتبارين صالح الإظدارة وصالح الموظف نشأت فكرة النظام التأديبي ، وكان التحقيق إحدي وسائله لأحكام المسئولية التأديبية و ضبط إجراءاتها . وتبرز أهمية التحقيق في الدور الذي يؤديه في سبيل كشف الحقيقة كوسيلة من وسائل الإدارة لتحقيق أهدافها ، ولما يترتب عليها من آثار ، ألامر الذي استلزم إحاطة التحقيق بسياج من الشكلية تحقيقاً للضمانات الكفيلة بصيانة مصالح العاملين و توفير الطمأنينة لهم .

الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر
الإحالة إلي التحقيق في النظام الإداري المعاصر

من هذا المفهوم نعرض لجهة الإحالة ، و مقتضيات الإحالة .

جهة الإحالة

لما كان الهدف من التحقيق هو الوصول إلي الحقيقة في واقعة معينة تمهيداً لإتخاذ الإجراء التأديبي الملائم فضلاً عن توفيرالضمانات للعامل والذي قد  يفاجأ بغير مقدمات بإحالته إلي التحقيق مع ما في ذلك من ضرر أدبي .

لذا يتعين اتخاذ جانب الحرص عند الإحالة إلي التحقيق بحيث ينبغي ألا يكون التحقيق قائماً علي شبهة أو منفياً علي كيد أو نكاية ، كما ينبغي عدم التهاون في الإحالة إلي التحقيق ، فإن ذلك يؤدي إلي التسيب و إلي الإدارة السيئة . وتعد إحالة العامل إلي التحقيق هي الإجراء الأول في الإدعاء ، و الذي من نتيجته يتحرك التحقيق ذاته ، فتليه الاجراءات الاخري سواء بالحفظ او بالمحاكمة التأديبية .

إختصاص سلطة الإحالة : ” لا تفويض في الإختصاص في المجال التأديبي ”

يجب ألا يكون الموظف عرضة للإضطهاد ، وبالتالي فإن حق توجيه الإتهام يقصره قوانين الموظفين و لوائحهم علي طائفة معينة من الرؤساء ، حتي لا يتحرك هذا الإجراء إلا بعد التثبت من جريمة الإتهام ، فتوجيه الإتهام من رئيس لا يملكه يؤدي إلي بطلان إجراءات التأديب . حتي ولو كان مفوضاً من قبل السلطة الرئاسية وفي ذلك قضت المحكمة الادارية العليا في احدث احكامها غير المنشورة إذ قضت بأنه “إذا كان الثابت من الأوراق أن طلب إحالة المطعون ضدهم إلي المحاكمة التأديبية قد صدر عن وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات لشئون الإدارة المركزية للمخالفات المالية ، ومن ثم يكون طلب الإحالة المطعون ضدهم إلي المحاكمة التأديبية قد صدر ممن لا يملكه قانوناً ، وهو رئيس الجهاز وحده دون غيره …ومن ثم يضحي باطلا و يستطيل هذا البطلان ليلحق بقرار إحالتهم إلي المحاكمة التأديبية و ما إستتبعه ذلك من إقامة الدعوي التأديبية ..”.

أما السلطة المختصة بالتأديب هي السلطة المختصة بإصدار الأمر بإجراء التحقيق فيما هو منسوب إلي العامل من مخالفات و أخطاء تأديبية .

و عليه لايجوز التفويض في المجال التأديبي لأن الذي أحال الموظف المتهم باقتراف الخطأ التأديبي غير الذي حقق و ذلك بهدف عدم التعسف في الاجراء التأديبي حتي  لا يكون هناك إساءة لإستعمال السلطة التأديبية .

فولاية التأديب معقودة أصلاً للجهات الرئاسية للموظف بمقتضي حقها في الإشراف و الرقابة علي أعمال الموظف إشرافاً يتيح لها الإحاطة بعمله و تقديره في ضوء ملابساته و ظروفه الخاصة – فلا يجوز تبعاً لمن كانت له سلطة تأديبية معينة أن يفوض غيره في مزاولتها إلا بنص قانوني خاص يجيز له التفويض في ممارسة هذا الاختصاص . وذلك لما لسلطة الإحالة من طبيعة خاصة حدت بالمشرع إلي قصر مزاولتها علي سلطة معينة يمتنع فيها التفويض إلا بنص خاص  .

وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأن : ولاية التأديب لا تملكها سوي الجهة التي ناط بها المشرع هذا الاختصاص في الشكل الذي حدده ، لما في ذلك من ضمانات قدر أنها لا تتحقق إلا بهذه الأوضاع ، و ترتيباً علي ذلك فإن قانون العاملين المدنيين بالقطاع العام رقم 47 لسنة 1978 وقد حدد السلطات التأديبية التي تملك توقيع الجزاءات علي العاملين علي سبيل الحصر و لم يخول هذه السلطات التفويض في اختصاصها كما كان الشأن في القانون رقم 61 لسنة 1971 فمن ثم لا يجوز للسلطات التأديبية أن تنزل عن هذا الإختصاص أو تفوض فيه –تحقيقاً للضمانات التي توخاها المشرع بأعتبار أن شخص الرئيس المنوط به توقيع الجزاء محل إعتبار … ويمتنع لذلك قانوناً و منطقاً الخروج علي هذا التقسيم و الأخذ بنظام التفويض في الاختصاصات المنصوص عليها في القانون رقم 42 لسنة 1967 ، وذلك أن تحديد الإختصاص في توقيع الجزاءات التأديبية ، يتنافي مع التفويض في الإختصاصات المنصوص عليه في القانون رقم 42 لسنة 1967 – و بالتالي لا يجوز الجمع بين هذين النظامين ذلك لأنه حيث يوجد تنظيم خاص في أمر تحديد الإختصاصات بالنسبة للسلطات التأديبية لا يسوغ الأخذ بنظام التفويض المنصوص عليه في القانون رقم 42 لسنة 1967 .

نخلص من ذلك أنه لا يجوز أن يكون الموظف عرضة للإضطهاد ، و بالتالي فإن حق توجيه الإتهام تقصره قوانين الموظفين و لوائحهم علي طائفة معينة من الرؤساء حتي لا يتحرك هذا الإجراء إلا بعد التثبيت من جريمة الإتهام –فتوجه الإتهام من رئيس لا يملكه يؤدي إلي بطلان إجراءات التأديب .

ويري البعض أن الإحالة إلي التحقيق هي أول إجراءات التحقيق و أنها ترتب نتائج خطيرة قبل الموظف من حيث العقوبات التأديبية وغيرها و ما قد يختلط بها من اجراءات . إلا أن هذا القول غير دقيق لأن الإحالة إلي التحقيق هي أول إجراءات التأديب و ليست أول إجراءات التحقيق ، فالتأديب هو التكليف بالحضور أمام المحقق .

فإذا كانت نصوص القوانين الخاصة بالتأديب لا تشتمل علي أحكام تفصيلية لسير الدعاوي التأديبية و نظام المحاكمات ، والشرائط التي تتوافر في الهيئات التي تتولي الفصل إلا أنه ليس معني ذلك أن الأمر يجري فيها بغير اصول و ضوابط ،بل يجب استلهام هذه الضوابط و تقريرها في كنف قاعدة أساسية كلية ، تصدر عنها و تستقي منها الجزيئات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان و توفير الإطمئنان لذوي الشأن و علي هذا تعد الإحالة ضمانة حقيقية للموظف  في مجال التأديب وتكمن هذة الضمانة في سلامة الإجراءات سواء في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة .

التلازم بين التحقيق و الإحالة

يعني هذا المبدأ أنه لا تحقيق بغير إحالة ، فإحالة ألي التأديب تبدأ بإحالة الموظف المتهم إلي الجهة المختصة يتأديبه ، بينما إجراءات التحقيق تبدأ بإحالة العامل إلي التحقيق فالإحالة إلي التحقيق هي مكمن كل الضمانات ، فهي تعد مرحلة سابقة علي البدء في التحقيق لأن التحقيق مناطه إتهام معين للعامل ، و لهذا ضماناً لاستقرار العامل في عمله و عدم تعرضه للتجريح ،يجب ألا يبدأ التحقيق قبل الموظف إلا إذا كانت هناك خطورة حقيقية و احتمال معقول لإرتكاب المخالفة المنسوبة إليه ، أن من شأن التحقيق حتي ولو إانتهي بالحفظ أن يثير غباراً حول الموظف و يعرضه للأقاويل مما قد يزعزع مركزه . فلابد أن يتحرك الإتهام كمرحلة سابقة علي البدء في التحقيق ، و تحديد الجهة المختصة بالإحالة إلي التحقيق أمر جوهري ، ذلك أنه إذا أحيل الموظف إلي التحقيق من جهة غير مختصة فإن القضاء الإداري يرتب علي ذلك بطلان التحقيق و الآثار التي تترتب عليه و أهمها قرار الجزاء المطعون فيه ، والقاعدة العامة في هذا الخصوص هي أن السلطة المنوط بها إحالة العامل إلي التحقيق هي السلطة المختصة بتأديبه أو في بعض الحالات السلطة التي لها حق الرئاسة و الرقابة عليه .

وقد حددت المادة 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 السلطة التأديبية و أناطت بها هذا الحق ، إذ لما كان من المقرر في نظم التأديب المختلفة ، أن السلطة التي تملك حق الإحالة إلي التحقيق هي ذاتها السلطة التأديبية ، أو الجهة الرئاسية لها التي لها حق الرقابة و الإشراف علي الموظف المهتم بإرتكاب خطأ عليه ، فإن لأعضاء السلطة التأديبية الرئاسية كل في حدود اختصاصه ، إحالة الموظف التابع ل إلي التحقيق .

و هذا الأمر يستفاد من نص الفقرة الاخيرة البند رقم 2 من المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية و المحاكمات التأديبية و التي تنص علي أنه ” …ويجب إرسال إخطار إلي الوزير أو الرئيس الذي يتبعه الموظف بإجراء التحقيق قبل البدء فيه ، وذلك عدا الحالات التي يجري فيها التحقيق بناء علي طلب الوزارة او الهيئة التي يتبعها الموظف و إلي جانب السلطات الرئاسية تختص كل من الرقابة الإدارية و النيابة الإدارية  بتحريك إجراءات التأديب ، أو إحالة الموظف المتهم إلي التحقيق .

ويري الباحث ان المغالاة في إجراءات التأديب قد يجئ بعكس المقصود منها . فضلا  عن أن شل فاعلية الإدارة قد يضر بالموظف ذاته حيث قد يستطيل التحقيق لفترات طويلة قد لا تمكنه من الترقية بسبب الإحالة سواء في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة التأديبية ، بل وضياعها عليه في بعض الأحيان خلال السنوات التي يستغرقها التأديب حيث يقع الموظف المعاقب ضحية إجراءات متتالية أمام رؤسائه ثم أمام النيابة الإدارية ثم أمام المحكمة التأديبية ثم أمام المحكمة الإدارية العليا قد تعصف بحياته الوظيفية و تجد لها آثار خطيرة علي العامل ذاته ، و علي الإدارة التي يعمل بها و كذلك أسرته .

ولذلك يجب إعادة النظر في جميع إجراءات التأديب بما يكفل السرعة و الفاعلية و يحول دون إستمرار النزاع سنوات طويلة . وأن يقتصر دور الرقابة القضائية علي النواحي القانونية فقط .

فإذا كان التحقيق غير مستكملا ً أركانه و غايته فإن الجزاء الذي يوقع علي الموظف المخالف يكون باطلاً وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه :” أن التحقيق لا يكون مستكملاً أركانه و غايته إلا إذا تناول الواقعة محل الإتهام بالتمحيص فيحدد عناصرها من حيث الأفعال و الزمان و المكان و الأشخاص و أدلة الثبوت فإذا ما قصر التحقيق عن إستيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر فإنه يكون مشوباً بالقصور و بالتالي يكون باطلاً و هو ما يؤدي بحكم اللزوم إلي بطلان قرار الجزاء أو قرار الإحالة الذي بني عليه .

وجدير بالذكر أن نقرر هنا بأن القرار الصادر بإحالة الموظف المتهم إلي التحقيق لا يجوز الطعن فيه ، و هذا ما قررته محكمة القضاء الإداري حيث ذهبت إلي عدم جواز الطعن في هذا القرار ، تأسيساً علي أنه لا يعدو أن يكون إجراءاً تمهيدياً سابقاً علي المحاكمة ، فلا يقبل فيه استقلالاً قبل صدور القرار النهائي من السلطة التأديبية المختصة .

التلازم بين المحاكمة و الإحالة

إذا ما ثبت للنيابة الإدارية من التحقيق الذي أجرته مع الموظف المخالف ارتكابه للجريمة فإنها تحيل الأوراق إلي المحكمة التأديبية وتباشر أمامها الدعوي فإذا ما تكشف لها أثناء التحقيق وجود جريمة جنائية أحالت الأوراق إلي النيابة العامة بعد نسخ صور طبق الأصل لأوراق التحقيق للتصرف في المسئولية الادارية ، و لا تملك الجهة الإدارية الإحالة للمحكمة مباشرة ، بل تحيل الأوراق إلي النيابة الإدارية التي تلتزم بالإحالة إلي المحكمة التأديبية .

و القرار الصادر بالإحالة إلي المحاكمة التأديبية هو إجراء من إجراءات الدعوي التأديبية ، فلا يرقي إلي مرتبة القرار الإداري النهائي ، الذي يختص القضاء الإداري بالفصل في طلب إالغائه ، مستقلاً عن الدعوي التأديبية ، إذ أن هذا القرار ، وإن كان يترتب عليه التأثير في المركزالقانوني للموظف ، من ناحية اعتباره محالاً للمحاكمة التأديبية ، إلا أن هذة الإحالة ، ليست هدفاً مقصوداً لذاته ، وانما هو مجرد تمهيد للنظر في أمر الموظف ، و التحقق مما إذا كان هناك ما يستوجب مؤاخذته تاديبياً من عدمه ، ونتيجة لذلك ، فإن قرار الإحالة إلي المحاكمة التأديبية ، لا ينطوي علي تعديل نهائي في المركز القانوني للموظف ، ولا يعد بالتالي قراراً إدارياً نهائياً ، ويتعين أن يتم الطعن فيه بمناسبة الطعن في الحكم ، الذي يصدر في تلك الدعوي ،إذ أنه لا يجوز اعتباره من المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة علي استغلال .

و الخصومة التأديبية لا تنعقد ، و لا تتصل بها المحكمة المختصة ، إلا إذا أقيمت الإجراءات التي نص عليها القانون ، بقرار إحالة من السلطة المختصة ، سواء أكانت النيابة الإدارية مثلاً بالنسبة للمحاكم التأديبية ، أم من الجهة الإدارية التي نص عليها القانون ، بقرار إحالة من السلطة المختصة ، سواء أكانت النيابة الإدارية مثلاً بالنسبة للمحاكم التأديبية ، أم من الجهة الادارية التي نص عليها القانون بالنسبة لمجالس التأديب .

ولابد أن يعلن الطاعن بقرار الإحالة ، فإذا لم يعلن بأي إجراء من إجراءات المحاكمة وصدر حكم ضده دون الإستماع إلي أقواله فإنه لم يتحقق دفاعه و في ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه ” ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد جري علي أنه وفقاً لحكم المادة 34 من قانون مجلس الدولة يتعين أن يقوم قلم كتاب المحكمة التاديبية بإعلان ذوي الشأن بقرار الإحالة و تاريخ الجلسة في محل إقامة المعلن إليه أو في مقر عمله بإعتباره أن ذلك إجراء جوهري ، إذ به يحاط المعلن إليه بأمر محاكمته بما يسمح بالدفاع عن نفسه و درء المخالفة المنسوبة إليه ، ومن ثم فإن إغفال هذا الإجراء أو إجراؤه بالمخالفة لجكم القانون علي وجه لا تتحقق الغاية منه من شأنه وقوع عيب شكلي في إجراءات المحاكمة يؤثر في الحكم و يؤدي إلي بطلانه .

وقضت أيضاً بأن ” قرار الإحالة يقع باطلاً لعدم قيامه علي تحقيق صحيح مستكملاً لأركانه ” و أن المحكمة التأديبية لم تقم بتمحيص المستندات و الأوراق التي قدمها الطاعن كدليل علي براءاته مما يجعل الحكم في هذا الخصوص معيبا واجب الإلغاء “.

و استقرت أيضاً المحكمة الأدارية العليا علي أن “البحث في سقوط المخالفات التأديبية و بطلان قرار الإحالة يسبق في الترتيب البحث في صحة الإتهام المنسوب للمتهمين أمام المحاكم التأديبية بوصف أن سقوط المخالفة أو بطلان قرار الإحالة إلي المحاكمة التأديبية من شأن أيهما أن ينهي صحة إجراءات الدعوي التأديبية و هما من الدفوع المتعلقة بقبول الدعوي التأديبية و التي يجب البحث فيها اولاً قبل التطرق إلي موضوع التأديبية “.

ومن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أيضاً والتي يتضح من خلال مدي التلازم و الإرتباط  بين المحاكمة و الإحالة ما قضت فيه بأن ” القرار الصادر بالإحالة إلي المحاكمة التأديبية يعد جزءاً من إجراءات الدعوي التأديبية و هو بهذه المثابة يخضع لرقابة المحكمة التأديبية ، فلها أن تقضي ببطلانه و عدم مشروعيته من تلقاء نفسها إذا كان ذلك القرار صدر مفتقداً لأساس مشروعيته سواء من سلطة غير مختصة أو لإحالة العامل للمحاكمة التأديبية عن مخالفات لم يجر مع المحال تحقيق بخصوصها ولا يؤثر في ذلك ما قد يقال بشأن حق المحكمة التأديبية في استجواب المحال للتأديب أو استكمال ما شاب التحقيق من نقص ، أو أن المحال قد مثل أمام المحكمة و أبدي دفاعه و ذلك مردود بأن الأصل هو إستقلال سلطة التحقيق عن سلطة المحاكمة و أنه و إن كان يجوز للمحكمة استجواب العامل المقدم للمحاكمة و سماع الشهود و العامل و غيرهم ، فإن هذا الإستجواب  وسماع الشهود يجب أن يكون لاحقاً علي تحقيق مستوف لشروطه و أسباب صحته قانوناً بإستكمال نقص في تحقيق قائم لا عمل مبتدأ .

مقتضيات الإحالة

من له حق الإحالة :

الأصل أن النيابة الإدارية هي التي تملك حق الإحالة إلي المحاكم التأديبية ولكن ليس ذلك متروك لتقديرها في كل الحالات . فهو تارة اختياري لها و تارة أخري إلزامي عليها – فهو اختياري حين تري من نتيجة تحقيقها ما يستوجب هذه إحالة ، وهو إلزامي عليها إذا رأت الجهة الإدارية ما يدعو إليها .

و مؤدي ذلك أن سلطة الإحالة إلي المحاكمة التأديبية مقررة بثلاث جهات هي :

1/النيابة الإدارية .                        2/الجهة الإدارية .

3/الجهاز المركزي للمحاسبات .

اولا : النيابة الادارية :

وهي التي تقوم بإجراء التحقيق في المخالفات الإدارية و المالية للمخالفين و متابعة الدعوي التأديبية منذ رفعها حتي صدور الحكم فيها و كذلك التحقيق في الشكاوي التي تتلقاها من الافراد و الهيئات عن هذه المخالفات و التي يثبت الفحص جديتها .

ومتي اتصلت النيابة الإدارية بالواقعة محل النزاع فإنه لا يجوز للجهة الإدارية  أن تعود و تجري تحقيقاً في الواقعة و توقع جزاء ما علي العامل ، وإذا اتصلت المحكمة التأديبية بالدعوي أضحي تدخل جهة الإدارة بأي إجراء فحص عدم .

وقد غل المشرع يد جهة الإدارة عن الإستمرار في التحقيق أو اتخاذ أي إجراء بشأنه إذا كانت النيابة الإدارية قد بدأت التحقيق في ذات الوقائع ورتب المشرع البطلان لكل إجراء أو تصرف يقع بالمخالفة لذلك ، طبقاً لنص المادة 79 مكرر من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 ، ومن من ثم إذا بادرت النيابة الإدارية بالتحقيق في المخالفة المشار إليها فور وقوعها مما لا يجوز لجهة الإدارة إتخاذ ثمة إجراء بشأنها إلي أن تنتهي النيابة الإدارية من التحقيق مما يترتب عليه بطلان قرار الجزاء .

و الأصل أن للنيابة الإدارية تقدير مدي ملاءمة الإحالة إليالمحاكمة التأديبية –فهي إذا رأت حفظ الأوراق ، أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب ، أحالت أوراق التحقيق إلي الجهة الإدارية . أما إذا رأت غير ذلك فإنها تحيل الأوراق إلي المحكمة التأديبية المختصة مع إخطار الجهة التي يتبعها العامل بالإحالة .

و النيابة الإدارية بما نيط بها من اختصاصات التحقيق و التصرف فيه بالحفظ أو الإحالة إلي الجهة الإدارية لتوقيع الجزاء الإداري ، أو تحريك الدعوي التأيبية ، ثم مباشرتها أمام المحكمة قد أصبحت بحق الأمينة علي الدعوي التأديبية وقد خطت الدعوي التأديبية خطوات سريعة في سبيل تسلم أمانتها لهيئة قضائية محايدة و هي النيابة الإدارية و بدأ تطور الدعور التأديبية بما يشبة نظام التحري و التنقيب في الدعوي الجنائية ، حيث كانت السلطة الإدارية تتولي التحقيق و المحاكمة و توقيع العقوبة ، ثم أصبحت الجهة الأدارية ترفع الدعوي إلي مجلس التأديب –تلك الهيئة القريبة الشبه بالهيئات القضائية ، ثم استحدث نظام مقتضاه حضور أحد أعضاء النيابة الإدارية كممثل للإتهام ، يباشر الدعوي أمام مجالس التأديب الإستئنافية –وأخيراً ينتهي الأمر إلي ما قرره القانون 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية في المادة الرابعة منه من تولي النيابة الإدارية مباشرة الدعوي التأديبية بالنسبة إلي الموظفين المعينين علي وظائف دائمة .

ثانيا/الجهة الإدارية:

لم يغفل القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية حق جهة الإدارة في طلب الإحالة علي المحاكم التأديبية فخولها في المادة الثالثة منه حق فحص الشكاوي و تحقيقها و تبعاً لذلك يكون من حقها التصرف في هذه التحقيقات بالإحالة إلي المحاكم التأديبية ، كما أعطيت هذا الحق بالنسبة للتحقيقات التي تحال إليها من النيابة الإدارية بإقتراح الحفظ أو توقيع جزاء مما يدخل في إختصاصها و ذلك طبقاً لنص المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1958 و نصها :

(إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الخصم من المرتب مدة لا تتجاوز 15 عاماً تحيل أوراق التحقيق إلي الوزير أو من يندب من وكلاء الوزارة أو الرئيس المختص ، وعلي الجهة الإدارية خلال خمسة عشر يوما من إعلانها نتيجة التحقيق أن تصدر قراراً بالحفظ أو بتوقيع الجزاء ، فإذا رأت الجهة الإدارية تقديم الموظف إلي المحاكمة ، أعادت الأوراق إلي النيابة الإدارية لمباشرة الدعوي أمام المحكمة التأديبية المختصة ، و يجب علي الجهة الادارية أن تخطر النيابة نتيجة تصرفها في الأوراق خلال 15 يوماً علي الأكثر من تاريخ صدور قرار الجهة الدارية ).

وطبقاً لهذه النصوص إذ رأت الجهة الإدارية  إحالة العامل إلي المحاكمة التأديبية ( في مخالفة مالية أو إدارية ) أحالت أوراق التحقيق بطلب كتابي إلي النيابة الإدارية لرفع الدعوي . وفي هذه الحالة يتعين علي النيابة الادارية مباشرة الدعوي التأديبية بالتطبيق لنص المادة 12 ، ولها في سبيل ذلك استيفاء التحقيق الذي أجرته الجهة الإدارية و مواجهة المتهم بما هو منسوب إليه ولها إجراء تحقيق كامل  في الموضوع ، إلا أنه أيا كانت النتيجة التي ينتهي إليها التحقيق ، وأيا كان رأي النيابة الإدارية في شأنه ، فهي ملزمة طبقاً للقانون برفع الدعوي .

والقاعدة العامة أن الجهة الأدارية تقوم بإجراء التحقيق مع العاملين بها في المخالفات التي يرتكبونها فيما عدا الحالات التي تختص بها النيابة الإدارية  كسلطة أصلية وحيدة و هي المخالفات الواردة بالبندين 2،4 من المادة 77 من القانون 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون 115 لسنة 1983 المخالفات المالية ، و كذلك تختص النيابة الإدارية بالتحقيق في المخالفات التي يرتكبها شاغلي الوظائف العليا .

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن “قيام جهة الإدارة بالتحقيق في مسألة تدخل في اختصاص النيابة الإدارية وحدها يعيب قرار الجزاء لما شاب التحقيق من غصب للسلطة ، حيث قصر القانون إجراء هذه التحقيقات علي هيئة قضائية هي النيابة الإدارية ، يتعين علي المحكمة التأديبية أن تقضي بإلغاء القرار بعد أن لحقه عيب جسيم إنحدر به إلي درجة الإنعدام بإعتبار أن تلك مسألة جوهرية من المسائل المتعلقة بالنظام العام الذي يقوم علي حماية الشرعية و سيادة القانون .

ثالثا/ الجهاز المركزي للمحاسبات :

للجهاز المركزي للمحاسبات سلطة الإحالة إلي التحقيق إذا ما اكتشف مخالفة مالية عن طريق التقارير الدورية لأعضاء الجهاز علي الجهات الخاضعة لإشرافه ورقابته .

إذا كانت الإحالة من الجهة الإدارية ، أو من الجهاز المركزي للمحاسبات ، فان المادة 87 من القانون 47 لسنة 1978 في الفقرة الأخيرة منه تنص عل أنه (ويعتبر العامل محالاً للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب الجهة الإدارية ، أو الجهاز المركزي للمحاسبات ..) فإذا طلبت الجهة الإدارية أو الجهاز المركزي للمحاسبات ، إحالة العامل إلي المحاكمة التأديبية ، كان تاريخ الإحالة علي النحو المبين بالنص من تاريخ الطلب ، الأمر الذي يتبين بجلاء ، أن الجهة الإدارية و الجهاز المركزي للمحاسبات يشاركان النيابة الإدارية في الإحالة إلي المحاكمة التأديبية ، بحيث إذا رأيا إحالة الموظف إلي المحاكمة التأديبية ، تعين علي النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية بتنفيذ إرادتها الملزمة في هذا الشأن .

ولما كانت الإحالة للمحاكمة التأديبية ترتب أثاراً خطيرة ، فإنه من المتعين تحديد التاريخ الذي يعتبر فيه العامل محالاً إلي المحاكمة التأديبية ، ولا صعوبة في الأمر إذا كانت الإحالة بناء علي رأي النيابة الإدارية . فمنذ صدور قرار النيابة الإدارية بالإحالة يعتبر العامل محالاً إلي النحاكمة التأديبية ، فإذا كانت الإحالة بناء علي طلب الرئيس الإداري المختص أو بناء علي طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، فإن التفسير التشريعي رقم2 لسنة 1966 قد قضي بإعتبار العامل محالاً إلي المحاكمة التأديبية من تاريخ صدور قرار أي منهما بطلب الإحالة ، لأن دور النيابة الإدارية في هذه الحالة يقتصر علي مجرد التنفيذ .

طبيعة قرار الإحالة إلي المحكمة التأديبية :

أناطت المادة 34 من القانون مجلس الدولة بالنيابة الإدارية  الحق في إحالة الدعوي التأديبية  إلي المحكمة التأديبية المختصة ، وذلك بأن تودع قلم كتاب تلك المحكمة أوراق التحقيق الذي تم إجراؤه حول الواقعة محل الإحالة للمحاكمة التأديبية ، إضافة إلي قرار الإحالة إلي المحاكمة ، والذي ينطوي علي بيانات جوهرية تتمثل في اسم الموظف و الدرجة الوظيفية التي يشغلها ، وما يتقاضاه من مرتب إضافة إلي بيان من مخالفات تأديبية ، والنصوص القانونية واجبة التطبيق لمواجهة ما ارتكبه من أثم تأديبي .

وعلي ذلك فقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن “إحالة العامل إلي المحاكمة التأديبية ليس من قبيل القرارات الإدارية النهائية حيث لا يعدو أن يكون إجراءاً من إجراءات الدعوي التأديبية ” ولا يرقي إلي مرتبة القرار الإداري النهائي الذي اختص القضاء الإداري بالفصل في طلب إلغائه مستقلاً عن الدعوي التأديبية و قرار النيابة الإدارية بإحالة العامل للمحاكمة التأديبية ليس من قبيل القرارات الإدارية النهائية حيث لا يعدو أن يكون إجراءاً من إجراءات الدعوي التأديبية الأمر الذي يجعل القضاء الإداري غير مختص بالنظر في طلب إلغائه استقلالاً عن تلك الدعوي .

و للمحكمة التأديبية أن تقضي بعدم قبول الدعوي التأديبية لبطلان قرار الإحالة لما لحقه من تجهيل ، وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا إلي أنه :

” طبقا لنص المادة 24 من اللائحة الداخلية للنيابة الادارية ، فإنه يتعين أن يكون قرار الإحالة متضمناً بيان المخالفة علي وجه الدقه للموظفين المنسوب إليهم هذة المخالفة “.

وجاء في اسباب هذا الحكم :” وحيث أن قرار الإتهام في المنازعة المعروضة قد اقتصر علي إحالة ضرر جسيم بمصلحة و أحوال المخبز الآلي بمدينة ملوي ، مما يترتب عليه خسارة قدرها …، وكان ذلك بسبب إهمالهم في اداء وظائفهم المسندة إليهم ، وخاصة في النواحي المالية و الادارية  والاشرافية ، ومن ثم فإن هذا التعميم وعدم تحديد الوقائع و الأفعال المنسوبة إلي كل منهم ، لا يمكن للمحكمة معه وصف التهمة أو تكييفها ، أو تحديد المخالفات و الأفعال المنسوبة إلي كل منهم علي حدة ، حتي يمكنها أن تضفي عليها الوصف القانوني السليم و القول بغير ذلك يجعل من المحكمة التأديبية سلطة إتهام و تحقيق وحكم في آن واحد و هو ما يخرج المحاكم التأديبية عن رسالتها .